البشير وهي السفينة الحربية التي كان السلطان الحسن
الأول قد باشر الحديث عن صنعها مع ممثل إيطاليا بطنجة روميو كانطاكاي
ROMIRO cantagalli ( )، وذلك عند زيارة السلطان المذكور لنواحي تطوان، وكان
روميوقد أبدى رغبة تعاون بلاده مع المغرب وتميزت سياسة الحسن الأول في هذا
الظرف التاريخي بتنوع شركائه في مجال الإصلاحات العسكرية، حتى لا يتغلب
جانب أوربي على جانب آخر.
بادر
رئيس الحكومة الإيطالية فرانسيسكو كريسبي عندما توصل بطلب مغربي رسمي
بتوجيه برقية إلى مفوضيته بطنجة وألحقها بمشروع العقد الخاص بصنع بارجة
لفائدة المغرب مع كل التفاصيل المتعلقة بذلك، وكان الثمن المقترح (حسب
الوثائق التي اعتمدت عليها الدكتورة بهيجة السيمو في كتابها بعنوان
الإصلاحات العسكرية بالمغرب 1844ـ 191هـ 335) هو 3900.000 فرنكا، ولما كان
هذا الثمن في رأس السلطان مرتفعا جدا، فقد اقترح القنصل الإيطالي تخفيض
الثمن ليصبح 25000.000 فرنكا، مع منح التسهيلات المكنة في الأداء، لكن
السلطات استثكر هذا الثمن أيضا واقترح 1500.000 ليرة، فنصح ممثل إيطاليا
بلاده بقبول هذا العرض وفقا شروط أن تكون السفينة الحربية من نوع الزوارق
المسلحة السريعة التي لها هيكل فولاذي وحمولتها 1100 طنا، ولها مروحتان
بقوة ألفي حصان، زيادة على تفاصيل أخرى.
ووقع المخزن هذه
الاتفاقية يوم 15 نونبر 1890 (بصفة سرية خوف احتجاج دول مثل فرنسا
وألمانيا)، وقام الكاتب والمترجم في ممثلية إيطاليا بطنجة بترجمة نص
الاتفاقية من الإيطالية إلى العربية، قدمت نسخة منها إلى السلطان، وتشابكت
المصالح والدسائس من لدن انجلترا وفرنسا حول توقيع ذلك الاتفاق، ولكن
الشروع في بناء البارجة، بدأ بمجرد ما وقع تأدية الدفعة الأولى حسب ما تشير
له المادة الخامسة من العقد، وأثيرت مشاكل أخرى بخصوص إنشاء هذه السفينة،
وتوقعت هذه المشاكل يوم 30 يونيو 1892، وهو التاريخ الذي تم فيه صنع
البارجة لبشير الإسلام، وهذا الإسم كما قلنا أطلقه عليها السلطان الحسن
الأول، وقد أثار شكوكا في القصد من إطلاق هذا الإسم، وما يعنيه من معنى
الجهاد البحري لمعارضة المسيحية، حتى إن بابا الفاتيكان، كان له موقف تحفظ
من هذا الإسم، وقامت الشركة أرمسترولك بتسليح السفينة بالمدافع والذخيرة
والطاقم التقني، وحدد يوم آخر شهر يناير 1893 لتسليم ذلك، وأبحرت البارجة
يوم 6 شتنبر 1892 مع كل الضمانات والاستحقاقات.
مات السلطات
الحسن الأول وخلفه ولده عبد العزيز، وكانت البارجة على وشك أن ترسو بميناء
طنجة، لكن السلطان الجديد كان له موقف أخر هذه البارجة، إذ أمر الحاج محمد
الطريس النائب بطنجة، بأن يخبر الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) بقرار الملك في
التخلي عن الباخرة (وتقول عبارة رسالة الطريس إلى باحماد الصدر الأعظم)
(وأما وأن سيدنا مولاي الحسن قد وافاه الأجل المحتوم، فإن خير قرار يتخذ هو
بيع هذه الباخرة، ولو بالخسارة، لأنه خير لنا أن نضحي هذه التضحية من أن
ننفق المبالغ الطائلة كل سنة على صيانتها، فاكتب رعاك الله إلى دولة
الطاليان، وأخبرها بأن سيدنا قد قرر عرض الباخرة للبيع، وسيتولى سيدي عبد
الكريم بريشة بيعها في مدريد، وسيذهب إلى إيطاليا لتصفية هذه القضية إذا
كان الأمر يقتضي ذلك)، ص 350 من كتاب الدكتورة بهيجة السيمو المشار إليه
آنفا، وأدرك المفوض الإيطالي بطنجة، أن تحول المخزن في موقفه من البارجة
كان سبب دسائس العملاء الفرنسيين والألمان والإسبان والبريطانيين، ولكنه رد
بقوله (... بأن مسألة البارجة قد حسمت نهائيا منذ توقيع الاتفاقية بين
المغرب وإيطاليا، وأن أي محاولة للتراجع عن هذه الاتفاقية مجرد عبث» بل إن
وزير المالية عبد السلام التازي عضد مقالة المفوض الإيطالي، وكذلك الصدر
الأعظم باحماد، ص35 من الكتاب السابق، وبقيت البارجة منذ ثمانية عشر شهرا
في ميناء ليفورنو livourno ثم أبحرت إلى طنجة فوصلت إلى الميناء يوم 2
نونبر 1899 (يقودها قبطان إيطالي، ونائب أميرالي مغربي هو عبد الكريم
زيوزيو التطواني، وبقية الطاقم.
واقتضت سياسة ذلك الوقت، أن
يعلن المخزن عن إقامة حفل استقبال للبارجة الوافدة على ميناء طنجة، وحضر
لهذا الغرض بحارة من الرباط وسلا، وقنن ظهير عزيزي نشر بكتاب اتحاف إعلام
الناس ج2 ص 505 للمؤرخ عبد الرحمن بن زيدان، وهذا الظهر نظم الحياة اليومية
لطاقم البارجة، ثم ظهر في أفق الواقع، أن البارجة بقيت عامين كاملين في
مرسى طنجة، وتعرضت لعوامل أحوال الطقس، وانعدام الصيانة، وكل ذلك بفعل
مامرات نواب الدول الأوربية بطنجة، وكانت تلك الدول لا تريد للمغرب أن تعود
له صلته في البحر كما كانت له في القديم، وانصاع المخزن بفعل هذه الضغوط
إلى التخلي عن فكرة مشروع البحرية الحربية المغربية، ووقع بيع البارجة
(البشير) إلى حكومة كولمبيا بواسطة شركة برتغالية في 7 مارس 1902 بثمن
مبلغه 700.000 بسيطة، ولابد من الإشارة إلى أن نفس المصير، قد لقيته باخرة
الحسني في ميناء طنجة قبل مصير بارجة (البشير)، وانتصرت المناورات الأوربية
علىكل طموح كان المغرب يود تحقيقه، والعراقيل الكبرى التي كانت تقف ضد أي
محاولة للتقدم ، هي الفتن والعصيان الذي كان مبعثه قبائل مغربية في جهات
متعددة، تأخذ من مجهود المخزن الشيء الكثير ولا تدعه يلتفت إلى طريق
الإصلاح ولا حول ولاقوةإلا بالله.
0 تعليق على موضوع : بشير الاسلام..قصة فخر البحرية المغربية التي اغتيلت في المهد
الأبتساماتأخفاء الأبتسامات